المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عن إبن زيدون


تركي .ي.م
11-09-2006, 09:25 PM
وانت تهبط في اشبيلية وتكبر تحتك الوان الخضرة وتتسع البحيرات وتتجمل الارض، تدرك لماذا لم ينس ابن زيدون لحظة واحدة جمال المكان، ولماذا مزج دائما بين حبه للطبيعة وهيامه بولاده، بنت المستكفي، صاحبة اشهر ديوان ادبي في تاريخ الاندلس. الم يقل ابن خفاجة ان الاندلس هو «جنة الخلد»؟ لكن اشبيلية مهبطنا لا غايتنا. ولا بدّ من قرطبة ولو طال السفر. وفي أي حال، في أي حال، فانه الاندلس، كيفما تلفت. فيه نبت شعراء التوشيح، واليه رنا الشعراء المحدثون كلما شعروا بعمق القهر والقهقرى والذل في المشرق. من نزار قباني الى محمود درويش. ولقد كان نزار صناعة اندلسية وتطريزاً من قادش وطليطلة. لكنني هنا، في اشبيلية، سوف اتوقف عند شاعر آخر، شاعر منسي حزين، لم يأخذ حقه في الحياة ولا في الممات. كان اسمه محمد القيسي. ولم يكن شاعرا من فلسطين بل من مخيمات فلسطين. من بؤسها وحزنها وشقائها المرفرف فوق مآسي الارض، كنت اقرأ محمد القيسي باعجاب شديد. وكانت له ملكية على الكلمة واتساق التعبير وجمالية الاشياء. وكنت اتمنى ان يأتي يوم اتعرف اليه، لكنه غاب فجأة. وقبل ان يغيب، كان يعطي ظهره للمشرق وهزائمه وحشيشه وثرثرته وعماه، ويتأمل في لمعان الاندلس، ويكتب لاشبيلية من بعيد:

ولاشبيلية

كل هذا الفضاء المتشح بالقطن والبيلسان ولي

هذه الاقبية

يا الهي، انا

كم مريض انا، يا الهي فخذ بيدي عند اقدام اشبيلية

كان مفتاحها في جيوبي وضاع

يا دمي هل تعرّج نحو مساجد اشبيلية لتقول الوداع

من منا تعوزه دعوة لكي يأتي الى الاندلس. واعتذر ان انا كررت ما قاله لي نزار ذات يوم: اذهب وعش في الاندلس وسوف يكتب هو عنك. على انني في قرطبة بدعوة من الشاعر عبد العزيز البابطين الذي تجني شركاته الوفر الوفير وينصرف هو الى جني الشعر والعناية بالشعراء، قدامى ومحدثين. فيخصص للاحياء الجوائز الكبرى ويعقد للتاريخيين المؤتمرات في ديارهم.

حاول شعراء الاندلس جميعا محاكاة المتنبي، معجز الشعر العربي. فكان للبعض شيء من جمالياته وايقاعه، لكن آفاقه الفكرية لم ينلها احد. وربما كان ابن زيدون اقرب الاندلسيين الى بريق ابي الطيب. مثله كان يسعى الى الحكم فلم يبلغه لكنه بلغ الوزارة والجاه والمكانة عند «سيف الدولة». ومثل ابو فراس الحمداني دخل السجن في وشاية. ولكن ابن حيان يقول ان ابن زيدون ظل حتى كهولته وسيما، بهي الطلعة ولو ان ولادة بنت المستكفي، التي كلفت به وكلف بها حينا طويلا، تخلت عنه، وبقيت العمر عانسا، برغم ما قد كان لها من جمال وفتنة وذكاء وموقع.

عاش ابن زيدون في عصر ملوك الطوائف، وهو العصر الذي انهارت فيه الدولة السياسية وازدهر الادب وانتعشت العلوم. وقد اختصر الشاعر حال البلاد ببيت واحد من الشعر.

وكذا الدهر اذا ما عز ناس ذلّ ناس

ليس ابن زيدون، في شعره الرقيق وملاحاته وجمالياته وتقلبات الدهر معه وعليه، سوى عنوان عام لهذا المؤتمر الذي دعت اليه مؤسسة جائزة البابطين نحو 450 معنيا بالحوارات الحضارية من دول العالم. لكن لو بحثنا في جماليات الاندلس لما عثر احد على ذريعة اكثر رقة منه:

اني ذكرتك بالزهراء مشتاقا

والافق طلق ومرأى الارض قد راقا

رياني
13-10-2006, 02:27 AM
مشكور على الموضوع

تركي .ي.م
06-12-2006, 12:18 PM
العفو إخوي رياني