DoMore
22-01-2007, 07:48 PM
مرحبا ...... :)
هذي قصة قصيرة كاتبها واحد من ربعي ... أتمنى تعجبكم زي ما أعجبتني :)
ثوره
* خائر القوى
منهك الجسد
كسير القلب والعين
يسير نحو كهفه مجرجرا أذيال العار و الخزي من خلفه
استقر به المقام في أقصى كهفه
في الركن الداكن الذي تعود أن يلجأ إليه
غرس أنيابه في العظمة التي معه
كانت العظمة خالية من أي لحم
قذف العظمة بعيدا و أطلق صرخة تحمل فوقها كل جوعه المكتنز
كل غيظه المستعر
حاول منع نفسه من تذكر أحداث يومه
سلك كل السبل
أغمض عينيه
دفن وجهه في الأرض
حتى أنه ضرب رأسه بالجدار
إلا أن محاولاته باءت بالفشل
* كان يوما كغيره من الأيام
مليئا ببكاء الأفواه الصغيرة الباحثة عن الطعام
الفرق في هذا اليوم
هو أن الأمل الذي غاب عنه كل هذه الفترة قد لاح له عندما رأى ظبيا في الأفق
كان يعلم أن ملاحقته لهذا الظبي على جوع قد يقتله
لكنها لم تعد مسألة حياته وحده
بل حياة أرواح صغيرة وضعت كل أملها فيه
خلف الغزال جرى كأشرس نمر عرفته الغابة
جرى كما لم يجر من قبل
" اااااااه أيها الغزال حياتك تعني موتي وموت كل أهلي "
في اللحظة الحاسمة
تحرر النمر من أحزانه و همومه التي أثقلته
و قفز باتجاه الفريسة
باتجاه عنق الفريسة
و أنى لهذا العنق الجميل من أن يقف في وجه أنياب النمر
ما أن استحكم على فريسته حتى سقط بجانب الغزال من شدة إرهاقه
" لا مجال للتكاسل الآن فالوقت ليس في صالحي "
استجمع ما بقي من قوته و أخذ يسحب الغزال نحو صغاره
لم يجرؤ حتى على الأكل قبلهم
لكن جوعه الهائج كان يهدد حياته
" لا بأس بقضمة واحدة تسد الرمق "
و بمجرد أن غرز أنيابه في صدر الغزال حتى داخله شعور غريب
شعور من يحس أن أحدا يرقبه
من يقيده بنظراته
كان يحس بحرارة النظرات تلفح وجهه
و من خلف الأغصان ظهر له
مختالا بمشيته
و الغرور
كل الغرور يقطر من جسده
إنه الأسد
إنه الملك
التقت عيناهما
كان يعلم أنه في حالة أكله قبل أن يأكل الأسد أو حتى المحاولة في ذلك يعد خرقا لقانون الغابة
بل عصيانا ما بعده عصيان
وضع الأسد مخالبه على الفريسة و هو ينتظر قرار النمر
كان يعلم جليا ماذا تعني هذه الفريسة للنمر
لكنه لم يكن مستعدا لهز هيبته مهما كانت الظروف
أطلت عصبة الأسد من خلفه و كانت ترصد باهتمام كل ما يحدث
تراجع النمر إلى الخلف وهو غير مصدق لما يجري حوله
" أيعقل أن أفقد الأمل الذي بذلت كل ما أملك من اجله "
إلا أن الواقع يقول أن الصيد أصبح من نصيب الأسد
أشار الأسد لعصبته بالقدوم
لن يستطيع أحد الآن الاقتراب من الصيد إلا بعد أذن الملك
* استرجع هذه الأحداث مرارا في داخله
استرجعها على أنغام نحيب أحد صغاره خارج الكهف
كان يسمع هذا النحيب كل ليلة
لكن في هذه الليلة بالذات
في هذه اللحظة بالذات
بدا له النحيب غير محتمل
هل ذكره النحيب بفشله
بعجزه
لا يعرف
كل ما يعرفه هو أنه اجتث رأس الصغير من جسمه أمام زوجته و أطفاله ثم عاد لكهفه
لن يسمع نحيبا بعد الآن
صرخ هائجا :
" بأي حق
بأي حق يستبيح لنفسه إهانتي طوال هذا الأمد
بأي حق يغتصب أملى أمام عيني و كأني أرذل عبد
بل بأي حق يكون الشبل خليفة الأسد "
من خلف ستار الظلام سمع صوتا حادا يخاطبه :
" انتبه يا صديقي ، هذا كلام سيهوي بك إلى قاع جهنم "
و ما هي إلا لحظات حتى ظهر صاحب الصوت متبخترا تحت ضوء القمر
رد النمر غاضبا :
" من سمح لك أيها الذئب النجس من أن تدنس خلوتي بقذارتك
و من أنت حتى تدعوني صديقك
هل نسيت مقامي ومقامك "
" أعرف مقامي ، ما أنا سوى حيوان ضعيف ، حتى صيدي لا يكاد يسد جوعي ، لكنه على الأقل لم يسلب مني
هم النمر بالهجوم عليه وهو يقول :
" أتسخر مني أيها الحقير "
" هون عليك يا سيدي ، لست أهلا لمنازلتك ، فكما قلت أنت الحيوانات مقامات
و ما علمت من حيوان في هذه الغابة يجرؤ على الملك "
لم يخفف كلام الذئب من حدة النمر بل كأنما فتح شلال من الغضب يصب من قلبه :
" أتخافه ، أتخاف من زئيره ، من فروة الشعر المحيطة بعنقه ، من حركاته المتغطرسة ،
كل هذا لا يخيفني "
" بل أخشى جبروته ، كلنا نعرف هذا ، حتى الأعراف و التقاليد و قوانين الطبيعة تقر
بأنه الملك "
" هراء ، هذه أعرافكم أنتم ، أما قوانين الطبيعة فلم أعرف في حياتي سوى قانونا
واحدا ينص على البقاء للأقوى "
ذهل الذئب من الكلام الذي سمعه
أخذ يدور حول نفسه و هو يدرس احتمالية نجاح الفكرة ثم نطق :
" فكرة مخيفة ، و لكن أين ستكمن له "
أجاب النمر بصوت جهوري و رأس مرفوع :
" بل يكمن له الأنذال أمثالك
لست أنا من يكمن لخصمه
سأذهب إلى عرين الأسد
وسط عصبة الأسد
و سأزأر في وجهه رافضا كل قوانينه
عندها
سأنازل الأسد
و سأقتل الملك "
" سيدي ، لقد أعمى الغضب بصيرتك ، و أني أراك قد بخست الخصم قدره "
صرخ النمر منهيا الحوار
صرخ صرخة من لا يرى أمامه سوى حل واحد :
" لست بحاجة إلى حياة أكون فيها تحت رحمته "
* أخذ الذئب ينتفض من هول القرار الذي توصل إليه النمر
كالمجنون أطلق ساقيه للريح مخبرا كل من قابله بالنبأ
و ما هي إلا لحظات حتى أشتعل النبأ في الغابة كالنار في الهشيم
هرع الجميع إلى مكان الحدث
إنه نزال القرن
و كل من في الغابة يرغب بمشاهدته
أقبل النمر شامخا بهامته وسط الحشود سائرا تجاه قلب الحدث
ما أن رأى الأسد مطلا من خلف عشيرته حتى زأر
زأر كما لم يزأر من قبل :
" حان الآن وقت تجلي الحقيقة "
و بالرغم من أنه كان يوجه كلامه للأسد إلا أن نظراته كانت تحوم على وجوه حيوانات
الغابة :
" من نصبك ملكا علينا
و أي شريعة استباحت لك حقوقنا
لقد حلت ساعة الحساب "
ما هي إلا وهلة حتى انطلق زئير صادر من أعماق قلب الأسد :
" يا ويلك
و يا لشناعة فعلتك
أفقدت عقلك
أنسيت قدرك
و إن كان جهلك قد أعماك عن كل هذا
فكيف يعميك عن عظمة محدثك
كيف ينسيك مكانته
كيف ينسيك تاريخه و أصوله وأجداده "
و في سابقة فريدة من نوعها تجرأ أحد على مقاطعة الملك :
" أن كان كلامك يرهبهم فهو لا يهز شعرة واحدة مني
لست من يختبئ خلف المكانة و التاريخ
و لست من يخاطب خصمه و هو قابع خلف نسائه "
زمجر الأسد محتدا :
" لقد حكمت على نفسك بأفظع ميتة "
هذه هي اللحظة التي انتظرها النمر طوال حياته
هذه هي لحظة الصفر :
" كفى كلاما ، إن كان لهذه الغابة ملك فليتقدم لمنازلتي "
وثب الأسد إلى ساحة القتال معلنا بداية معركة القرن
أخذا يدوران في حلقة واسعة يلقيان بزمجرة هنا و زأرة هناك
نطق الأسد جارحا كبرياء الصمت :
" قبل أن أبطش بك ، أخبرني بالسبب الذي دفعك للتجرؤ على الملك "
رد النمر بحرقة مفرطة :
" قهري يدفعني لأن أحسدك
حزني يدفعني لأن أكرهك
و جوعي
جوعي يدفعني لأن أقتلك "
* لم تعرف الغابة في تاريخها نزالا أعنف ولا أشرس من هذا النزال
فكم من دماء سفكت
وكم من الآم كبتت
وكم من صرخة كتمت
عندما لفظت المعركة آخر أنفاسها
كان النمر هو الخاسر الأكبر في النزال
و بالرغم من أن عينه قد فقأت إلا أنه تحمل و واصل القتال
لكن بتر ساقه كان أمرا فوق طاقته
في المشهد الأخير من المعركة
ضغط الأسد بمخالبه على عنق النمر الذي تأوه من فرط الألم قائلا :
" اقتلني
إن كنت تحمل ذرة شرف في داخلك فاقتلني "
زأر الأسد زئير المنتصرين موجها حديثه للغابة أجمع :
" أنا الملك
و سأبقى الملك
وهذا جزاء كل من تسول له نفسه تحدي الملك
سأترك هذا المخلوق حيا ليكون عبرة لمن يعتبر و من لا يعتبر "
عندها
ترك الأسد النمر غارقا في دمائه وهم بالعودة إلى عرينه
استجمع النمر ما بقي من روحه وصرخ :
" قد تكون ملكهم
لكنك أبدا
أبدا
أبدا
لست ملكي "
سحب النمر جسده الممزق و ولى بعيدا عن الغابة إلى غير رجعة
لم يبقى من أثره ما يستحق الذكر
لم يبقى سوى بقع من الدم على الأرض ذرتها الرياح
و بقع من الحزن في بعض القلوب ذراها الزمن
* و في يوم جوع مثل ذاك اليوم
أجبرت الغريزة الأسد على البحث عن طعامه
أشقاه البحث لدرجة جعلته يبتعدا كثيرا عن حدود الغابة
إلا أن الفشل كان نصيبه
العودة للعرين كان الحل الأنسب
لكن رائحة ما جعلته يغير رأيه
رائحة دم كانت تفوح حوله
لحق أثر الرائحة التي كان عبقها يزيد كلما أزداد اقترابه
إلا أن هول المفاجأة أجبره على التوقف
فقد رأى شبحا يأكل الفريسة
و يا لقباحة الشبح
كان بعين واحدة وثلاث أرجل وظهر أحدب و جسد ناحل
لكن الخوف لم يعرف سبيلا إلى قلب الأسد
اقترب الملك من الشبح مطالبا بحقه
حتى الأشباح يجب عليها التنحي عند حضور الملك
زمجر الأسد مغتاظا :
" أبتعد أيها الكسيح "
لم يهتم المسخ لكلام الملك و واصل أكله
ذهل الأسد لتصرف هذا الكسيح لم يسبق لأحد أن تحدى الملك من قبل سوى....
هز الأسد رأسه كمن فهم كل شيء :
" أهذا أنت
ألم تنل كفايتك
حتى وأنت في قمة ضعفك
حتى بعد أن نخر الوهن عظمك
و حتى في أسوء لحظة من حياتك
ما زلت تتحداني
ليست مسألة جوع و طعام إذا
لا بد أنها قضية مختلفة
ألن تقر بعد بأني الملك "
لم يكلف النمر نفسه عناء النهوض بل خاطب الأسد كمن لا يأبه له :
" لقد فقأت عيني
بترت ساقي
سرقت حياتي من أمامي
و لم يبقى لي في هذه الدنيا سوى العهد الذي قطعته على نفسي
لقد قاتلتك مره
و لن أجبن عن مقاتلتك الآن
لن أتخاذل تحت أي ظرف
لن أتخاذل في أي زمان ومكان "
ما أن ارتد إلى النمر بصره حتى انتهت المعركة
كل هذا كان بفعل لطمة واحدة من يد الملك
جالت نظرات الملك عابثة في المكان
لم تكن لتهتم بجسد النمر ناقص الرأس
بل كانت تبحث عن الفريسة
في الأخير
وجد الملك ضالته
وجد الفريسة ملتصقة بفم النمر
حاول جاهدا انتزاع الفريسة من بين براثن النمر لكنه فشل
ولم يجد مناصا من سحب الفريسة لعرينه حتى وراس النمر يتدحرج خلفها
في تلك اللحظة
تساقطت الحروف من بين أنياب الأسد كالحمم قائلا :
" بعض الحيوانات لا يتغيرون ".
هذي قصة قصيرة كاتبها واحد من ربعي ... أتمنى تعجبكم زي ما أعجبتني :)
ثوره
* خائر القوى
منهك الجسد
كسير القلب والعين
يسير نحو كهفه مجرجرا أذيال العار و الخزي من خلفه
استقر به المقام في أقصى كهفه
في الركن الداكن الذي تعود أن يلجأ إليه
غرس أنيابه في العظمة التي معه
كانت العظمة خالية من أي لحم
قذف العظمة بعيدا و أطلق صرخة تحمل فوقها كل جوعه المكتنز
كل غيظه المستعر
حاول منع نفسه من تذكر أحداث يومه
سلك كل السبل
أغمض عينيه
دفن وجهه في الأرض
حتى أنه ضرب رأسه بالجدار
إلا أن محاولاته باءت بالفشل
* كان يوما كغيره من الأيام
مليئا ببكاء الأفواه الصغيرة الباحثة عن الطعام
الفرق في هذا اليوم
هو أن الأمل الذي غاب عنه كل هذه الفترة قد لاح له عندما رأى ظبيا في الأفق
كان يعلم أن ملاحقته لهذا الظبي على جوع قد يقتله
لكنها لم تعد مسألة حياته وحده
بل حياة أرواح صغيرة وضعت كل أملها فيه
خلف الغزال جرى كأشرس نمر عرفته الغابة
جرى كما لم يجر من قبل
" اااااااه أيها الغزال حياتك تعني موتي وموت كل أهلي "
في اللحظة الحاسمة
تحرر النمر من أحزانه و همومه التي أثقلته
و قفز باتجاه الفريسة
باتجاه عنق الفريسة
و أنى لهذا العنق الجميل من أن يقف في وجه أنياب النمر
ما أن استحكم على فريسته حتى سقط بجانب الغزال من شدة إرهاقه
" لا مجال للتكاسل الآن فالوقت ليس في صالحي "
استجمع ما بقي من قوته و أخذ يسحب الغزال نحو صغاره
لم يجرؤ حتى على الأكل قبلهم
لكن جوعه الهائج كان يهدد حياته
" لا بأس بقضمة واحدة تسد الرمق "
و بمجرد أن غرز أنيابه في صدر الغزال حتى داخله شعور غريب
شعور من يحس أن أحدا يرقبه
من يقيده بنظراته
كان يحس بحرارة النظرات تلفح وجهه
و من خلف الأغصان ظهر له
مختالا بمشيته
و الغرور
كل الغرور يقطر من جسده
إنه الأسد
إنه الملك
التقت عيناهما
كان يعلم أنه في حالة أكله قبل أن يأكل الأسد أو حتى المحاولة في ذلك يعد خرقا لقانون الغابة
بل عصيانا ما بعده عصيان
وضع الأسد مخالبه على الفريسة و هو ينتظر قرار النمر
كان يعلم جليا ماذا تعني هذه الفريسة للنمر
لكنه لم يكن مستعدا لهز هيبته مهما كانت الظروف
أطلت عصبة الأسد من خلفه و كانت ترصد باهتمام كل ما يحدث
تراجع النمر إلى الخلف وهو غير مصدق لما يجري حوله
" أيعقل أن أفقد الأمل الذي بذلت كل ما أملك من اجله "
إلا أن الواقع يقول أن الصيد أصبح من نصيب الأسد
أشار الأسد لعصبته بالقدوم
لن يستطيع أحد الآن الاقتراب من الصيد إلا بعد أذن الملك
* استرجع هذه الأحداث مرارا في داخله
استرجعها على أنغام نحيب أحد صغاره خارج الكهف
كان يسمع هذا النحيب كل ليلة
لكن في هذه الليلة بالذات
في هذه اللحظة بالذات
بدا له النحيب غير محتمل
هل ذكره النحيب بفشله
بعجزه
لا يعرف
كل ما يعرفه هو أنه اجتث رأس الصغير من جسمه أمام زوجته و أطفاله ثم عاد لكهفه
لن يسمع نحيبا بعد الآن
صرخ هائجا :
" بأي حق
بأي حق يستبيح لنفسه إهانتي طوال هذا الأمد
بأي حق يغتصب أملى أمام عيني و كأني أرذل عبد
بل بأي حق يكون الشبل خليفة الأسد "
من خلف ستار الظلام سمع صوتا حادا يخاطبه :
" انتبه يا صديقي ، هذا كلام سيهوي بك إلى قاع جهنم "
و ما هي إلا لحظات حتى ظهر صاحب الصوت متبخترا تحت ضوء القمر
رد النمر غاضبا :
" من سمح لك أيها الذئب النجس من أن تدنس خلوتي بقذارتك
و من أنت حتى تدعوني صديقك
هل نسيت مقامي ومقامك "
" أعرف مقامي ، ما أنا سوى حيوان ضعيف ، حتى صيدي لا يكاد يسد جوعي ، لكنه على الأقل لم يسلب مني
هم النمر بالهجوم عليه وهو يقول :
" أتسخر مني أيها الحقير "
" هون عليك يا سيدي ، لست أهلا لمنازلتك ، فكما قلت أنت الحيوانات مقامات
و ما علمت من حيوان في هذه الغابة يجرؤ على الملك "
لم يخفف كلام الذئب من حدة النمر بل كأنما فتح شلال من الغضب يصب من قلبه :
" أتخافه ، أتخاف من زئيره ، من فروة الشعر المحيطة بعنقه ، من حركاته المتغطرسة ،
كل هذا لا يخيفني "
" بل أخشى جبروته ، كلنا نعرف هذا ، حتى الأعراف و التقاليد و قوانين الطبيعة تقر
بأنه الملك "
" هراء ، هذه أعرافكم أنتم ، أما قوانين الطبيعة فلم أعرف في حياتي سوى قانونا
واحدا ينص على البقاء للأقوى "
ذهل الذئب من الكلام الذي سمعه
أخذ يدور حول نفسه و هو يدرس احتمالية نجاح الفكرة ثم نطق :
" فكرة مخيفة ، و لكن أين ستكمن له "
أجاب النمر بصوت جهوري و رأس مرفوع :
" بل يكمن له الأنذال أمثالك
لست أنا من يكمن لخصمه
سأذهب إلى عرين الأسد
وسط عصبة الأسد
و سأزأر في وجهه رافضا كل قوانينه
عندها
سأنازل الأسد
و سأقتل الملك "
" سيدي ، لقد أعمى الغضب بصيرتك ، و أني أراك قد بخست الخصم قدره "
صرخ النمر منهيا الحوار
صرخ صرخة من لا يرى أمامه سوى حل واحد :
" لست بحاجة إلى حياة أكون فيها تحت رحمته "
* أخذ الذئب ينتفض من هول القرار الذي توصل إليه النمر
كالمجنون أطلق ساقيه للريح مخبرا كل من قابله بالنبأ
و ما هي إلا لحظات حتى أشتعل النبأ في الغابة كالنار في الهشيم
هرع الجميع إلى مكان الحدث
إنه نزال القرن
و كل من في الغابة يرغب بمشاهدته
أقبل النمر شامخا بهامته وسط الحشود سائرا تجاه قلب الحدث
ما أن رأى الأسد مطلا من خلف عشيرته حتى زأر
زأر كما لم يزأر من قبل :
" حان الآن وقت تجلي الحقيقة "
و بالرغم من أنه كان يوجه كلامه للأسد إلا أن نظراته كانت تحوم على وجوه حيوانات
الغابة :
" من نصبك ملكا علينا
و أي شريعة استباحت لك حقوقنا
لقد حلت ساعة الحساب "
ما هي إلا وهلة حتى انطلق زئير صادر من أعماق قلب الأسد :
" يا ويلك
و يا لشناعة فعلتك
أفقدت عقلك
أنسيت قدرك
و إن كان جهلك قد أعماك عن كل هذا
فكيف يعميك عن عظمة محدثك
كيف ينسيك مكانته
كيف ينسيك تاريخه و أصوله وأجداده "
و في سابقة فريدة من نوعها تجرأ أحد على مقاطعة الملك :
" أن كان كلامك يرهبهم فهو لا يهز شعرة واحدة مني
لست من يختبئ خلف المكانة و التاريخ
و لست من يخاطب خصمه و هو قابع خلف نسائه "
زمجر الأسد محتدا :
" لقد حكمت على نفسك بأفظع ميتة "
هذه هي اللحظة التي انتظرها النمر طوال حياته
هذه هي لحظة الصفر :
" كفى كلاما ، إن كان لهذه الغابة ملك فليتقدم لمنازلتي "
وثب الأسد إلى ساحة القتال معلنا بداية معركة القرن
أخذا يدوران في حلقة واسعة يلقيان بزمجرة هنا و زأرة هناك
نطق الأسد جارحا كبرياء الصمت :
" قبل أن أبطش بك ، أخبرني بالسبب الذي دفعك للتجرؤ على الملك "
رد النمر بحرقة مفرطة :
" قهري يدفعني لأن أحسدك
حزني يدفعني لأن أكرهك
و جوعي
جوعي يدفعني لأن أقتلك "
* لم تعرف الغابة في تاريخها نزالا أعنف ولا أشرس من هذا النزال
فكم من دماء سفكت
وكم من الآم كبتت
وكم من صرخة كتمت
عندما لفظت المعركة آخر أنفاسها
كان النمر هو الخاسر الأكبر في النزال
و بالرغم من أن عينه قد فقأت إلا أنه تحمل و واصل القتال
لكن بتر ساقه كان أمرا فوق طاقته
في المشهد الأخير من المعركة
ضغط الأسد بمخالبه على عنق النمر الذي تأوه من فرط الألم قائلا :
" اقتلني
إن كنت تحمل ذرة شرف في داخلك فاقتلني "
زأر الأسد زئير المنتصرين موجها حديثه للغابة أجمع :
" أنا الملك
و سأبقى الملك
وهذا جزاء كل من تسول له نفسه تحدي الملك
سأترك هذا المخلوق حيا ليكون عبرة لمن يعتبر و من لا يعتبر "
عندها
ترك الأسد النمر غارقا في دمائه وهم بالعودة إلى عرينه
استجمع النمر ما بقي من روحه وصرخ :
" قد تكون ملكهم
لكنك أبدا
أبدا
أبدا
لست ملكي "
سحب النمر جسده الممزق و ولى بعيدا عن الغابة إلى غير رجعة
لم يبقى من أثره ما يستحق الذكر
لم يبقى سوى بقع من الدم على الأرض ذرتها الرياح
و بقع من الحزن في بعض القلوب ذراها الزمن
* و في يوم جوع مثل ذاك اليوم
أجبرت الغريزة الأسد على البحث عن طعامه
أشقاه البحث لدرجة جعلته يبتعدا كثيرا عن حدود الغابة
إلا أن الفشل كان نصيبه
العودة للعرين كان الحل الأنسب
لكن رائحة ما جعلته يغير رأيه
رائحة دم كانت تفوح حوله
لحق أثر الرائحة التي كان عبقها يزيد كلما أزداد اقترابه
إلا أن هول المفاجأة أجبره على التوقف
فقد رأى شبحا يأكل الفريسة
و يا لقباحة الشبح
كان بعين واحدة وثلاث أرجل وظهر أحدب و جسد ناحل
لكن الخوف لم يعرف سبيلا إلى قلب الأسد
اقترب الملك من الشبح مطالبا بحقه
حتى الأشباح يجب عليها التنحي عند حضور الملك
زمجر الأسد مغتاظا :
" أبتعد أيها الكسيح "
لم يهتم المسخ لكلام الملك و واصل أكله
ذهل الأسد لتصرف هذا الكسيح لم يسبق لأحد أن تحدى الملك من قبل سوى....
هز الأسد رأسه كمن فهم كل شيء :
" أهذا أنت
ألم تنل كفايتك
حتى وأنت في قمة ضعفك
حتى بعد أن نخر الوهن عظمك
و حتى في أسوء لحظة من حياتك
ما زلت تتحداني
ليست مسألة جوع و طعام إذا
لا بد أنها قضية مختلفة
ألن تقر بعد بأني الملك "
لم يكلف النمر نفسه عناء النهوض بل خاطب الأسد كمن لا يأبه له :
" لقد فقأت عيني
بترت ساقي
سرقت حياتي من أمامي
و لم يبقى لي في هذه الدنيا سوى العهد الذي قطعته على نفسي
لقد قاتلتك مره
و لن أجبن عن مقاتلتك الآن
لن أتخاذل تحت أي ظرف
لن أتخاذل في أي زمان ومكان "
ما أن ارتد إلى النمر بصره حتى انتهت المعركة
كل هذا كان بفعل لطمة واحدة من يد الملك
جالت نظرات الملك عابثة في المكان
لم تكن لتهتم بجسد النمر ناقص الرأس
بل كانت تبحث عن الفريسة
في الأخير
وجد الملك ضالته
وجد الفريسة ملتصقة بفم النمر
حاول جاهدا انتزاع الفريسة من بين براثن النمر لكنه فشل
ولم يجد مناصا من سحب الفريسة لعرينه حتى وراس النمر يتدحرج خلفها
في تلك اللحظة
تساقطت الحروف من بين أنياب الأسد كالحمم قائلا :
" بعض الحيوانات لا يتغيرون ".