منتديات تو زوو متخصصون في عالم الحيوان وتربية
المخلوقات الجميلة ويضم منتدانا أكبر وأروع تجمع لهواة تربية الحيوانات والطيور
والأسماك والأحياء المائية والزواحف والبرمائيات ولمتابعي تحركات الحشرات
والمفصليات ولمحبي الزراعة والعناية بالنباتات كما نوفر لكم من خلال سوق تو زوو
الالكتروني الكبير عرض سلعكم بالمجان وبعد ذلك كله تستريحون في استراحة الهواة
متمنين لكم طيب الاقامة لدينا
كم أنت غالي يا وطن فيك الذكريات و الأحلام و الأيام السعيدة و الأهل فيك الطفولة البريئة كم ضحكت و كم بكيت و شريط الذكريات يمر سريعا فأجد الدموع تنهمر من مقلتي لكن للآسف...... كان يجب أن نفترق.
هانحن نلتقي مرة أخرى يا صديقي العزيز و أرى أنك لم تمل مني بعد فمرحى بك مرة بعد مرة صديقا عزيز تشاطرني ذلك القبس من ذكرياتي الخاصة, المهم أين توقفنا في المرة السابقة ؟!.
آه تذكرت و أعذرني يا حبيب فمشاغل الحياة قد تنسيك الكثير و الكثير فلا مانع من أن تذكرني كنا نتحدث عن تلك المكالمة الهاتفية التي جاءتني و كيف أنني أنحيت لألتقط جهاز المحمول الذي سقط من يدي لأجيب على المتحدث و لا يفوتني هنا أنا أنصح القارئ بعدما استخدام المحمول أثناء القيادة علما بأني للآسف من أكثر مستخدمي المحمول أثناء القيادة !!!!!!
المهم شاء قدر الله ألا يقع حادث مروع و لا أدري ما حدث فقد فعلت كل ما بوسعي و لا أخفيك سرا أني أغلقت عيناي و انتظرت كارثة محققة و إذا بالسيارة تتوقف على جانب الطريق دون أن يحدث أي شئ , تنفست الصعداء و كان مازالت رنة المحمول تتكرر مما أثار سخطي فقد كادت تلك الرنة أن تقتلني منذ لحظات قليلة رفعت المحمول إلى أذني و أنا في شدة الغضب و على الطرف الآخر جاء صوت المرأة التي أجرت معي المقابلة في مكتب القاهرة.
قالت :د/ خالد لماذا لم تحضر حتى الآن لننهي إجراءات السفر الخاصة بك حتى الآن ألا ترغب في السفر ؟!
علمت على الفور أن الإدارة في السعودية قد مارست على المكتب ضغط ليكفوا عن أسلوب النصب المتبع لديهم فأخبرتها و قد ارتسمت على شفتي ابتسامة النصر أن العقد في جملته لم يعجبني لكن سوف أوافق لأنها مستشفى ضخمة فقط !!
مرت الأحداث سريعا و أجريت عدة اتصالات مع صاحب المكتب نفسه و كانت هناك محاولة لنقل التأشيرة لمكتب آخر في مدينتي لأن صاحب مكتب القاهرة كان ليزال في محاولاته لإتمام عملية النصب علي و الحصول على مبلغ لا يستحقه و ذلك بإيهامي أنه من قام بحل مشكلة الخبرة لدي !! , تفاصيل كثرة لا طائل منها انتهت بإتمام أوراقي لدى هذا المكتب و لم أعطيه سوى ما يستحقه و قد سافر معي والدي رحمه الله في ذلك اليوم و لن أنسى أبدا ملامح الفرحة التي علت وجهه الحبيب عندما رأى التأشير على جواز السفر الخاص بي ، و بتلك المناسبة قام بدعوتي لتناول العشاء في أحد المطاعم الشهيرة بمدينة القاهرة , كم كان حنونا غفر الله له كان يحب بقائي بجانبه و لا يرغب في فراقي لكنه كان يشعر بالخوف الشديد علي مما حمله على التعجيل بإنهاء مسألة السفر .
عندما عدت إلى بلدتي كان شهر رمضان العظيم يدق الأبواب بقوة وفكرنا هل الأفضل أن أسافر مباشرة أم أن أبقى حتى نهاية الشهر كنت أرغب و بشدة في أن تكون بدايتي في المملكة القيام بعمرة في العشر الأواخر من رمضان و كان أبي و أمي يرغبان في بقائي حتى ثالث أيام العيد و لم يسعني سوى تلبية تلك الرغبة الكريمة و قد كانت منة من الله عز وجل فقد اعتكفت في هذا الشهر في أحد أكبر المساجد و كنت مشرف على الاعتكاف و سوف أسرد لكم بعض الأحداث السريعة التي دارت قبيل سفري.
منها أنني اعتكفت كم ذكرت من قبل في أحد المساجد الكبرى وكنت من مشرفي الاعتكاف وكانت لي كلمة وعظية يوميا في المسجد و كانت لي جلسات خاصة مع شباب المعتكف و كان كثير من هؤلاء الشباب من حديثي الالتزام أو من الشباب غير الملتزم أصلا , و كانت منة عظيمة من الله فقد امتاز هذا المسجد نظرا لوجوده في مكان متميز تقطنه الطبقة الراقية بإمكانيات ضخمة للغاية مكنتنا من تيسير الاعتكاف لعدد كبير من الشباب كما أنه كان مركز لدعوة الشباب غير الملتزم لشهرة هذا المسجد في الأوساط الراقية !!
و كان من رحمة الله سبحانه و تعالى أن جعلني سبب في هداية عدد ليس بقليل من هؤلاء الشباب و كان من دواعي فرحي بتلك المنة أنه بعد عودتي إلى مدينتي بعد مرور عامان من الغربة أن قابلت الكثير من الشباب الملتزم الذي لا أعرفه فإذا بهؤلاء الأعزاء يشدون على يدي و يشكرونني أن استعملني الله فكنت سبب في ردهم إلى طريق الحق فلله وحده الحمد و المنة , و كان من بركة هذا المعتكف أني ألقيت كلمة في أحد الليالي الفردية في العشر الأواخر أثناء صلاة التهجد فلاقت ترحيبا كبيرا و أيضا كانت لي كلمة عن وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم مازال الكثير ممن حضروا تلك الكلمة يذكرونها و قد يرى البعض في تلك الكلمات السابقة نوع رياء و حب ظهور و أسال الله أن يعافيني من هذا البلاء فما أنا فعلا إلا عبد فقير إنما أردت أن أعرض عليك أيها العزيز جانب مما فتح الله علي به لأسألك و أسأل نفسي هل كان السفر يستحق ترك هذا الميدان الذي من الله علي به ؟؟
إننا أيها الشباب و أرجو المعذرة أيها الكريم إن كنت أوجه حديثي دوما للشباب لكن تلك الكلمات الأصل أن المخاطب بها الشباب الذي تنتابه الحيرة بعد التخرج فلا يدري كيف يجمع بين ما يحب أيا ما كان و بين الحصول على الجانب المادي المريح ، فقد كان العديد من الشباب من أصحاب الإبداعات الرائعة فإذا هي تتلاشى في خضم أحداث الحياة كم من شباب هذا الجيل كان من الممكن أن يصبح شاعرا فذا أو أديبا مرموقا أو عالما من العلماء المشار إليهم بالبنان فإذا بتلك الموهبة تزول و تتلاشى , أعود فأقول أننا في تلك المرحلة العمرية نقف عند مفترق الطرق -غالبا- بين ما نريده و نهواه و ما هو متوفر في واقعنا فعلا. إن من أخطر المشاكل التي تواجه الآن ملايين الشباب العربي أن يعرف حقا ماذا يريد و لا يعني هذا أن كاتب تلك الكلمات قد وصل بر الأمان وجلس يستريح عليه ثم أخذ يلقي على كل عابر سبيل نصائح إرشادية تدله إلى ما وصل إليه بل إنني مازالت أبحث و لا أدري كم سيستغرق مني هذا البحث و هل سأصل إلى هذا الشاطئ الساحر أما سأظل أبحث دون طائل ، قد يقول البعض دعنا من تلك الفلسفة الجدلية و لننظر إلى الواقع من حولنا فإن الجري و راء السراب عبث فتلك المواهب التي تتكلم عنها ليست خبزا نأكله و لا ملبسا يسترنا فما قيمة أن نظل العمر كله نلهث خلف تلك الأحلام ، ربما ليس هذا مجال تقصي لكن انظروا أيها الشباب إلى تاريخ العظماء و المصلحين كم سهروا الليالي و كم افنوا الأعمار فما كان هذا عبثا و لهوا إنما كانت تلك التضحيات هي المداد الذي خطوا بها أسماءهم في سجل الشرف و العزة فلله در المصلحين و المبدعين الأوفياء و أين تضحيات هؤلاء و أحلامهم في مقابل تضحياتنا نحن و أحلامنا ؟؟
لا نريد الخروج كثيرا عن سياق الحديث نعود لنكمل تلك الفترة القصيرة الباقية لي في مصر, فقبل نهاية الاعتكاف بيومين جاء والدي إلى المعتكف و وجهه ممتقع شاحب اللون و أخبرني و الألم يعتصره أنه يتوجب علي أن أذهب إلى أحد الأجهزة الأمنية للحصول على جواز سفري فطمأنته و كنت اعلم مدى قلقه , و بالفعل ذهبت في اليوم التالي و كان الناس هناك في غاية الظرف فلم يجعلوني أنتظر كثيرا حتى أقابل الضابط المسئول, فقد استغرق انتظاري خمس ساعات فقط بالطبع هذه الرحمة الشديدة كانت لأننا في آخر أيام رمضان !!
كان الضابط لطيف للغاية لم يسألني كثيرا و قد وعدته بأن أدعوه و أدعو كل ضباط الإدارة على حفل زواجي يوما ما و لا أدري هل أستطيع أن أفي بهذا الوعد أم لا ؟؟؟ , و عندما غادرت كان والدي في انتظاري رحمه الله و كان الخوف و القلق يعلو وجهه فأخبرته أن الناس كانوا في غاية السعادة للقائي و أنه يمكنني السفر دون أدنى مشكلة. هناك موقفان أريد أن أذكرهما قبل أن استقل الطائرة المتوجهة للسعودية, الموقف الأول فيه طرفة فقبيل سفري بساعات جاء بعض أقاربي لزيارتنا فأخبرهم الوالد أن السبب في هذه المنحة الإلهية التي من الله علي بها – فقد كنت أول من سافر خارج البلاد في كل دفعتي تقريبا – هي محافظتي على الصلاة و .... إعفائي للحيتي !! .
أما الموقف الآخر فقبل سفري بليلة ذهبت لزيارة بعض أصدقائي بعد صلاة الفجر و كان الإفطار معد وكدت أصاب بعسر هضم من كثرة الأكل فقد كان الطعام شهي للغاية و بعد مغادرتي المكان تم إيقافي من قبل حملة و قالوا أن هذه السيارة قد تم الإبلاغ عنها طبعا يمكنكم أن تتخيلوا مشاعري في تلك اللحظة قلت لنفسي الموت علينا حق و إن لله و إن إليه راجعون, و أخذ الضابط يتحدث عبر جهاز اللاسلكي فترة من الزمن و هو ينظر إلى رخصتي و رخصة السيارة نظرات متفحصة ثم فوجئت أن الأمر كله لا يتعدى مروري على عسكري المرور دون وضع حزام الأمان فأبلغ عن السيارة و رفض الضابط إعطائي رخصة القيادة حتى بعد إبلاغه أنني سوف أسافر خلال ساعات لكن أبي استطاع أن يحضرها في نفس اليوم!! .
توجهت إلى المطار و كان معي أبي و أمي التي ظلت تقبلني طوال الطريق و أخي الأصغر و كان لتوه قد تخرج من الجامعة و عندما وصلت المطار طلبت من أخي طلب خاص أنه إذا أشتد مرض أبي لأي سبب من الأسباب أن يتصل بي على الفور و للآسف لم ينفذ ما طلبته منه , لم أكن أعلم أنها المرة الأخيرة التي سوف أرى فيها والدي رحمه الله يتكلم فقد رأيته قبل موته بسويعات قليلة و سوف يأتي معنا لاحقا أحداث هذا الأمر المؤلم . تجاوزت منطقة التفتيش و أخذت أشير لهم كثيرا حتى غابوا عن بصري و بعد مروري من منطقة الجوازات اتصلت للاطمئنان عليهم ثم قمت بتغير ملابسي لارتداء ملابس الإحرام فقد كانت نيتي أن أقوم بعمرة أولا و أجلس في مكة لعدة أيام قبل الذهاب لمدينة بريده و كانت سعادتي غامرة و مع النداء الأول للطائرة توجهت إليها و جلست في مقعدي و أخرجت كتاب الله لأقرأ فيها و كان موقعي بجانب جناح الطائرة و سبحان الله غالبا ما يكون هذا هو موقعي في الطائرات ، لم أعرف من سيكون رفيقي في الطائرة و قد منيت نفسي أن يكون شخص لطيف فلا يقطع علي خلوتي و يمنعني من التأمل في المشاهد الخلابة خارج الطائرة, جلست انتظر ,وأنا أمني نفسي برحلة إيمانية يغلب عليها التأمل و التدبر في ملكوت الخالق فقاطعني صوت قائلا : ممكن حضرتك تساعدني حتى أجلس
يا مكة يا مكة ما أبهى لقيانا ...
لبينا والسعد وافانا ...
للحرم شددت رحالي...
وبطيبة روحي في إنشغالي ...
والأقصى ما غاب عن بالي...
يا ربي بلغنا منانا ...
كانت الطائرة تستعد للإقلاع و نفسي تكاد تحلق هي الأخرى في السماء و قلبي تتسارع دقاته مع قرب موعد إقلاع الطائرة فمع مرور الدقائق كنت اقترب من تحقيق أحد أكبر أحلامي و هي زيارة بيت الله الحرام و لم يكدر صفو تلك المشاعر إلا رفيقي في الطائرة أو بمعنى أصح ...... رفيقتي, كانت امرأة خليجية لم أستطع تحديد عمرها لأني لم أنظر إليها و لا معرفة جنسيتها لكنها كانت تتحدث بلكنة أهل الخليج . بالطبع نحن في طائرة و تغيير المقاعد أمر بالغ الصعوبة و قد طلبت مني أن أساعدها لأنها كانت تحمل طفل صغير !! ,الحقيقة أنها لم تكن إنسانة مبتذلة حتى لا يسئ القارئ الفهم لكن المشكلة أنها كانت تحمل طفلها هذا كان صغير للغاية لم يتجاوز السنتين على أحسن تقدير و هو كغال الأطفال في هذه المرحلة العمرية غالبا ما يكون مصدر للازعاج و هذا لا يعني اني لا أحب الأطفال لكن الحالة الإيمانية التي كنت أمني نفسي بها ذهبت ادراج الرياح , و قد اضطررت لحمل هذا الطفل معظم الرحلة فوق قدمي و أخذ هذا المخلوق الرقيق يبعثر لحيتي ذات اليمين و وذات اليسار كما أنه قام بسكب الطعام الذي كان يأكله على ملابس إحرامي فتحول لونها الأبيض الناصع إلى ألوان أخرى كثيرة !!.
استغرقت الرحلة ساعة ونصف شعرت أنها الدهر كله و كان جلوسي بجانب امرأة و معها طفل صغير أمر محرج للغاية و غير متوقع وضاعت علي فرصة التدبر في هذا الملكوت العريض و عندما سمعت أننا سوف نهبط بسلام إلى مطار جدة لم أتمالك نفسي من الفرح. من أكثر المظاهر التي ضايقتني و أثارت الحزن في نفسي أن أرى نساء متبرجات في مطار جدة و كانوا يرتدون ملابس لا تتناسب مع الأجواء المحيطة و علمت بعدها أن هذا الأمر يوجد في بعض مدن المملكة و التي يغلب عليها وجود الأجانب !! , عندما وصلت للمطار كان في انتظاري صديق مصري من مدينتي و معه أخ سعودي مهذب للغاية و كنت أحمل أمانة خاصة لهذا الصديق المصري فقمت بإعطائه إياها و طلبت منهم أن يقوما بتوصيلي إلى أقرب محطة لسيارات الأجرة حتى أصل مكة في أسرع وقت ممكن . ذهبنا لموقف السيارات و بجانه كان يوجد مسجد غاية في الروعة و هذه سمة غالبة في مساجد المملكة العربية السعودية و من أبرز ما يميز مساجد المملكة أن دورات المياه خارج المسجد تماما و رائحة البخور الجميل و ذلك المسند العريض الموجود غالبا في الصف الأول في كل مسجد و الذي يسمح للمصلي بالجلوس فترة طويلة في وضع مريح ليتمكن من قراءة القرآن . أجريت اتصال هاتفي بأبي و أمي و أخبرتهم أني في طريقي لمكة و أريد أن أنوه هنا أيها الحبيب أنني منذ وصولي المملكة كنت حريص جدا على التحدث هاتفيا يوميا تقريبا مع والدي و والدتي فهما أغلى ما يملك كل إنسان.
ركبت سيارة الأجرة و ودعت صديقي و نسيت أن أخذ منه رقم المحمول الخاص به و كان هو الآخر في رحلة عمرة و سوف يغادر في وقت قريب ثم قابلته قدرا في صحن الحرم بعد صلاة الفجر في اليوم الثالث من دخولي مكة و كنت سعيد للغاية فهو من أفضل الشباب و أكثرهم دماثة في الأخلاق .
مدينة جدة وهي للعلم من أجمل مدن المملكة و أكثرها رقيا تقع على البحر و غالب سكانها حتى السعوديين منهم ليسوا من أصول سعودية و قد زرتها مرات قليلة ربما ثلاث مرات على ما أظن و كانت في عجالة شديدة فعلى الرغم من جمال المدينة و رقيها لكنني من هواة المدن الصغيرة و كان من تيسير الله أن قضيت مدة عملي في المملكة في مدينة بريده و هي من أحب المدن إلى قلبي و كثيرا ما أحن إليها عموما دعونا لا نستطرد كثيرا في هذه الأمور و سوف يأتي تفصيل ذلك لاحقا. انطلقت السيارة تنهب الطريق و السرعات في المملكة تكاد تكون جنونية و هذا لقوة السيارات و جودة الطرق خاصة التي تربط المدن الكبرى و الطريق بين جدة و المدينة شيق ملئ بالجبال و هو أمر غير معتاد لي فقد أعتدت رؤية المزارع و القرى على جانبي الطرق السريعة في مصر و إن كانت لي تجربة شيقة أتمنى أن أقصها عليك يوما يا صديقي العزيز عندما كنت في الثامنة من عمري إبان حرب الخليج حيث عدنا مع الوالد رحمه الله في سيارته بعد بداية الحرب عن طريق العراق ثم الأردن , و في الأردن رأيت جبال من أروع ما تكون هي من بديع خلق المولى سبحانه و تعالى. وصلت مكة قبل صلاة المغرب بفترة وجيزة و مكة لمن لم يزرها من قبل مدينة جبلية ترى فيها الكثير من البيوت فوق الجبال و تشعر منذ اللحظ الأولى بدخولك برهبة عجيبة تجتاح جوانحك و يتراءى لك الحرم المكي فتشعر بسعادة غامرة يخالطها الخوف من هذا اللقاء المثير , و كلما اقتربنا كان ذلك الشعور يتزايد. وصلنا بجانب الحرم و غادرت سيارة الأجرة و اضطررت لركوب سيارة أخرى لتنقلني إلى الفندق و هنا يجب أن أذكر معلومة قد نسيت أن أذكرها لك أيها الحبيب فإنني و لحسن الحظ لي جار وهو صديق مقرب من أبي يملك عدة فنادق في مكة و هو رجل كريم و غالبا ما كنت أقيم عنده كلما جئت لقضاء عمرة و كان يحزن أشد الحزن إذا علم أني ذهبت لمكة دون الاتصال به و كنت أتحرج منه لكنه كان يصر على هذا. ذهبت إلى الفندق و هو في موقع متميز قريب من باب المروة و كان هذا الموقع كفيل بجعل العمرة تزداد متعة.
وضعت حقائبي داخل الغرفة و رفضت تناول أي طعام أو شراب و أصررت على المضي سريعا حتى أدرك صلاة الجماعة و الحمد لله أدركتها لكني لم أستطع دخول الحرم و كان القارئ يقرأ بسورة الصف مما جعل لهذه السورة أثر ضخم في قلبي لأنها أول سورة سمعتها هناك . لا أعلم أيها القارئ العزيز هل تشعر هذه المرة بالملل لكثرة التفاصيل لكن الحقيقة أنني أريد أن أنقل لمن لم يتمكن بعد من زيارة تلك الأماكن المقدسة روعة و جلال تلك الأماكن فهذا عذري الذي أقدمه بين يديك على كثرة التفاصيل هذه المرة.
دخلت الحرم لأول مرة و مهما فعلت فسوف يعجز قلمي المتواضع و أسلوبي البسيط أن يصف روعة هذا المكان و لا تلك المشاعر الراقية التي تنتاب زوار هذا البيت العتيق الذي بناه أبو الأنبياء بيده الشريفة , بيت الله مغناطيس أفئدة الرجال و قبلة المسلمين في كل مكان أحب أرض إلى رب العباد , إن النور الذي يعلو هذا المكان و تلك الجموع الذليلة المنكسرة و هذه الهمسات و التضرعات و ذلك الأنين و النحيب تنظر من حولك فترى قراءة خاشعة و تلاوة عطرة و دعاء منكسر لصاحب حاجة و تلتفت فتقع عينك على الساجد الباكي و الراكع الخاشع , و قد جئت أنت بخطايا ومعاصي السنين جئت لأقف بين يديك يا مولاي عبد ذليلا خاضعا لا يملك من أمره شئ , من ذا الذي دعاك فرددته خائبا من ذا الذي رجاك فصرفته حائرا , إليك المشتكى يا أكرم الأكرمين أرحمنا برحمتك التي وسعت كل شئ , لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا هب لنا نورنا و بصيرة تكشف لنا هذا الطريق الموحش كن لنا صاحب في هذا السفر الطويل و أعنا بزاد التقوى الذي لا ينضب . إن تلك المشاعر الإيمانية العميقة التي تدور في حس المسلم فتأخذ بتلابيب نفسه و تحلق به بعيدا في مكان آخر عن تصورات البشر و أحلامهم و أهدافهم التي تتضاءل تماما في هذا المكان حتى تكاد تتلاشى , إن منظر هذا البيت الأسود المهيب و تلك الجموع الذليلة التي تطوف حول هذا البيت أشبه بطفل صغير يبحث عن منفذ يلج منه إلى داخل دار يأمن فيها على نفسه من عوامل و تقلبات الزمن , إن قلبك يكاد ينخلع من مكانه حين ترى تلك المشاهد فتقارنها بأحلامك و تصوراتك عن الدنيا فتجدها صغيرة حقيرة, يدور بخلدك في تلك اللحظات صورة الناس وهي تلهث خلف الدنيا و تمر الأعوام فإذا هم محرمون من النعمة الحقيقة و التي ذكرها ملك الملوك في كتابه الكريم و هي نعمة الإيمان , نعم أيها الأحبة أنه الإيمان الذي صار عملة نادرة في هذا الزمان إنه الإيمان الذي هز أرجاء هذا الكون و الذي ملأ قلوب هذا الجيل القرآني الفريد الذي تربى في المدرسة النبوية فخرج إلى هذا الكون الفسيح فملأه نورا و عدلا , هذا الإيمان الذي تتضح معه حقيقة الحياة فإذا بركة العمر الحقيقة في العمل لهذا الدين و الحرص على نشره و الموت في سبيله فإذا الأعمار القصيرة قد صارت عظيمة و إذا التضحيات المباركة قد أثمرت في دنيا الناس نورا يفيض على تلك البشرية التائهة و التي دخلت منذ سنوات طويلة في تيه من الضلال حول حياتها لجحيم تلك البشرية البائسة التي تطورت في كل نواحي البشرية و نسيت ذلك الجانب العلوي الرفيع فإذا بها تنحدر في مستنقع آسن شهواني , فمن لتلك البشرية البائسة و من لهؤلاء الحيارى يخرجهم من ظلمات التيه فيريهم تلك المشاهد التي تسقط أمامها تلك الشهوات الهابطة و تنكسر أمامها تلك التصورات الساذجة عن حقيقة الكون و التي ارتضاها قطاع هائل من البشر في هذا الزمان .
مكة و ما أدراك ما مكة عندما تعيش فيها فترة تدرك مدى حزن الرسول صلوات ربي و سلامه عليه لفراقها, و لما لا وهي تحتضن ذلك البيت الحرام و إليها تهفو أشواق أهل الأرض و إنك لتلمح نظرة الشوق في عيون هؤلاء لبشر من شتى بقاع الأرض على اختلاف اللغات و العادات فإذا هي نفس النظرة الملهوفة ، نظرة المحب الذي طال فراقه لمحبوبه فلما حانت الحظة التي طالما انتظرها طويلا أبى الشوق إلا أن يفضحه و طفت تلك المشاعر فعلت وجه هذا المحب و تصاعدت أنفاسه و تأججت مشاعره . حب ملأ هذا الكون الفسيح و ملأت رائحته الزكية الأنوف فما عاد هذا المحب المشتاق يرى في هذا الكون إلا هذا البيت الحرام و ما هذا الحب إلا من لوازم محبته للخالق المنعم .
وما حب الديار شغفن قلبي .. ولكن حب من سكن الديارا
انتهيت من الطواف و السعي و كانت عيني تراقب من حولي فاشعر بالحسرة على ما فات من الأعمار بعيدا عن رحمة أرحم الراحمين ترى ذنوبك ماثلة بين يديك فتعجب لستر الله و رحمته بك طوال تلك السنوات و لا تملك إلا تسأل المولى أن يعافيك من تلك الغفلة التي عشتها سنوات طويلة .
بعد نهاية العمرة ذهبت للبحث عن نعلي فلم اجده و كان هذا أمر طبيعي لذا قررت أن أعود للفندق دون نعل فقد و كانت تلك المرة الأولى في حياتي التي أسير فيها حافي القدمين !! . قمت بتقصير شعري ثم عدت للفندق لأستريح قليلا من عناء السفر الذي تلته تلك الرحلة الإيمانية الرائعة بين أرجاء الحرم و استلقيت على الفراش لأنام حتى أستطيع أن أدرك صلاة الفجر. و في اليوم التالي كان علي أن أشتري جهاز محمول جديد و بهذا القرار الخطير سوف تبدأ سلسلة عجيبة لا تخلو من الطرفة مع أجهزة المحمول أقصها بإذن الله عليك في الحلقة القادمة .
أبو القاسم الطنبوري بخيل من البخلاء و كانت له نوادر كثيرة و لا أدري إن كانت حقيقية أم لا , و لعل أشهر تلك النوادر هي حذاءه القديم وقد سمعنا تلك القصة و نحن صغار , و لقد كان هذا الحذاء نعم الرفيق للطنبوري فظل هذا المسكين يتحمل بخل صاحبه لسنوات طويلة و كانت الرقع تضاف يوما بعد يوم لهذا الحذاء الضعيف فما اشتكى يوما بل كان على العهد مع صاحبه إلا أن قرر صاحبه البخيل ناكر الجميل التخلص من الحذاء الوفي فانتفض الحذاء غاضبا و كما قال الأولون (( اتقي شر الحليم إذا غضب )) فكان من أمر هذا الحذاء أن جر على صاحبه ويلات و مصائب فما استطاع صاحبه أن يفارقه أبدا بل انتهى الأمر أن صار أبو القاسم و الحذاء رفيقان في زنزانة واحدة و القصة طويلة و مثيرة و ساذجة لكن ما علاقتي أنا بكل هذا ؟
سلام عليكم و رحمة الله و بركاته هذه المرة أيها الرفاق أنقل لكم ذكرياتي من قلب الحدث أقصد من داخل المملكة العربية السعودية , ربما لا أكون هناك الآن بجسدي لكني أعيش تلك الذكريات و كأنها واقع حي يتمثل الآن أمام عيني و صوره شاخصة تتنفس و تتحرك فكأنما تلك اللحظات و الذكريات التي أرويها جزء لا ينفصل أبدا عما يدور الآن من حولي فتجارب الإنسان أيها الكرام لا تغادره إلا بمفارقة الروح الجسد . اليوم أيها الشباب سوف أحكي لكم قصة لطيفة و أحداثها بدأت من اليوم الأول لوصولي المملكة و انتهت نهاية درامية مؤثرة بعد عودتي إلى مصر و قد قررت أن أجمع فصول تلك الكوميديا السوداء حتى لا تنفلت بين سطور الذكريات فيضيع مذاقها الخاص و هي أشبه بقصة الحذاء الذي حول حياة صاحبه إلى جحيم مع فارق أن الصاحب في قصتي و هو أنا بالطبع كان حريص على صاحبه و هو جهاز المحمول الخاص لكن .... أرى أن نبدأ و سوف تفهم يا صديقي العزيز.
قبل سفري أعطاني الوالد الحبيب مبلغ من المال جيد و أصر ألا أصحب معي جهاز المحمول القديم و أوصاني بشراء جهاز محترم من الأجهزة الحديثة بمجرد وصولي لأرض المملكة العربية السعودية حتى أظهر بظهر لائق أمام أقراني في العمل , و بمجرد وصولي و أدائي العمرة أجريت مكالمة مع أبي و بعد أن طمأنتهم علي و على صحتي و أني الآن في الفندق وجدت أبي يؤكد وصيته بشراء المحمول فوعدته بإجابة طلبه و السعي في ذلك من الصباح الباكر , انطلقت مع مطلع اليوم التالي لشراء خط جديد و مازلت احتفظ بهذا الرقم حتى الآن لعلي أحتاجه يوما ما , و انطلقت لأكبر محلات الجولات في مكة و بالفعل اشتريت جهاز جوال لطيف وحديث لكنه لم يكن من الأنواع المشهورة التي جرت العادة على وجودها في أيدي الناس , فلما علم أبي بهذا حزن و أخبرني أنني دائما أحب مخالفة الناس و أني أسير عكس الاتجاه و لم يكن في وسعي استبدال الجهاز فوعدت أبي بحل تلك المشكلة , فلما ذهبت لبريده و بعد أول مرتب تقاضيته من المستشفى عمدت لأقرب محل جولات فبعت جوالي وخسرت مبلغ من المال ليس بقليل - و كانت تلك هي الغلطة التي جرت علي الويلات – و قمت بشراء جهاز محمول من نوع الباندا و هو من أنواع النوكيا و فرحت به جدا و قد ظل يعمل بانتظام و كفاءة عالية حتى موسم الحج فلما انتهى موسم الحج و كان لهذا الجهاز مغامرة عجيبة سوف تأتي لاحقا فقد تسبب في إشاعة خبر مقتلي , عموما بعد عودتي من الحج بيوم كان من أمر هذا الجهاز أن سكت إلى الأبد دون مقدمات فانطلقت به إلى أحد محلات الجولات محاولا إنقاذه من تلك الأزمة الصحية الطارئة التي أصابته لكن كل محاولات الإنقاذ باءت بالفشل و اكتشفت أن الرجل الذي باعه لي قد نصب علي فقد كان الجهاز مدمر قبل شرائي له و هنا يجب أن أسدي نصيحة لكل شاب مقبل على السفر إياك أن تشتري شئ مستعمل في الغربة فغالبا ما تكون هذه الأشياء المستعملة معبئة بأنواع من العفاريت الخفية التي لا تظهر إلا بعد فترة من الاستعمال و هي كافية بأن تقلق مضجعك و تطير النوم من عينك . المهم أني خرجت بالجهاز و قد لفظ أنفاسه الأخيرة بين يدي فقابلت رجل تبدو على ملامحه سمات الطيبة و كان معه طفل ممتلئ قليلا رأيت في عينيه كل معاني البراءة , فلما علم هذا الرجل ما كان من حالي قال لي لا تحمل أي هم سوف آخذ أنا جهازك و أعطيك جهاز أبني لأنه بالإنجليزية و لا يستطيع أبني التعامل معه و كان جهاز جيد مخصص أصلا للألعاب و هو من نوع النوكيا أيضا فقلت للرجل لكن جهازي لا يعمل فتبسم و قال لا عليك أنا أستطيع أن أصلحه , أعطيته الجهاز و انطلقت غير مصدق و قلت في نفسي إن الدنيا لتزال بخير لوجود مثل هذا الرجل فلما يمضي يومان حتى اكتشفت أنه كان نصاب هو الآخر و وجدت العفاريت تداهمني مرة أخرى و قد تطلب إصلاح هذا الجهاز الكثير من المال و انتهى بمعركة بيني و بين صاحب المحل الذي حاول استغلالي هو الآخر و في النهاية بعت هذا الجهاز بخسارة مادية كبيرة.
قررت أن أستريح من عناء تلك المعارك الدامية فترة و اشتريت جهازان متواضعان و لم يكلفاني شئ و كان هناك سبب قوي لأن يكون معي خطان في نفس الوقت سوف يأتي ذكره عندما أتحدث عن عيوب اعدم الزواج في الغربة , فلما تقدمت لامتحان هيئة التخصصات السعودية - و كان قد مر عدة أشهر دون أي خسائر في الأرواح أقد في أجهزة المحمول – قررت مكافأة نفسي لأني اجتزت الامتحان بشراء جهاز محمول غالي مما يسمى بالكمبيوتر الكفي و قد كان نعم الرفيق فقد وضعت عليه بعض الموسوعات العلمية و الكتب الهامة و المحاضرات ثم ذهبت لأداء عمرة و باختصار شديد سرق هذا المحمول فاسترجعت و حمدت الله ثم وجدت شخص سوري – للعلم من أكثر الجنسيات التي أحببت التعامل معها هم الأخوة السوريين و سوف يأتي تفصيل ذلك لاحقا - يتصل بي و يخبرني أنه استطاع التحايل على من سرق الجهاز و أخبره أنه لا قيمة له فأخذه منه و بحث في الأرقام حتى عثر على رقم جوالي الثاني و اتصل بي فورا حتى يعيده لي , شكرته كثيرا و كان هذا الشخص يقيم في الطائف فطلبت منه إعطاء الجهاز لأحد معارفي في مدينة الطائف و هو يعمل مندوب دعاية في أحد شركات الدواء الكبرى و استطاع بالفعل أن يتقابل معه وكان هناك محاولة من الرجل الذي قام بالاستيلاء عليه أول مرة بأن يسرقه مرة أخرى لكنه لم يستطيع , أخذ صديقي المقيم في الطائف الجهاز و وضعه في سيارته و أخبرته بدوري أنني سوف أرسل له شخص ما في القريب العاجل للحصول على المحمول و هنا مثل قصة حذاء الطنبوري كان لابد أن يحدث شئ ما , و في هذه المرة كانت بالفعل مفاجأة من العيار الثقيل كنت قد أخبرتكم أن صديقي وضع المحمول في سيارته لأن عمله كمندوب دعاية يتطلب وجوده خارج البيت لفترات طويلة لذا أراد أن يحفظه في السيارة حتى يتمكن من إعطائه للشخص الذي أخبرته عنه أظن أن ما يدور في أذهانكم الآن أن المحمول قد سرق من السيارة أليس كذلك ؟؟ , لكن الحقيقة أن ما حدث كان أكثر غرابة فقد غادر صديقي هذا البيت كعادته متجها لعمله فلم يجد السيارة و لا المحمول بالطبع لقد سرقت سيارته و لم يجدها على حد علمي حتى يومنا هذا !!.
أردت أن تنتهي مغامراتي مع أجهزة المحمول فاشتريت جهاز أخير معقول و ظل معي حتى عدت إلى مصر لكن يبدو أن حذاء الطنبوري كان لي بالمرصاد ففي أحد الأيام و كنت مرهق للغاية أعتقد أني كنت عائد من سفر وضعت ملابسي في الغسالة سريعا لأني أحب أن أغسل ملابسي بنفسي و بعد ثواني من تشغيل الغسالة سمعت صوت غريب داخلها فأوقفتها على الفور و كان ما كان كالعادة فقد عثرت على آخر محمول لي داخل الغسالة لتنتهي أخر فصول هذه المأساة .
في المرة القادمة بإذن الله سوف أصحبكم بإذن لمنطقة القصيم و هي موطن غالب الأحداث القادمة . أعرف أني قد أطلت قليلا لكن أخيرا وبعد طول انتظار سوف نذهب إلى هناك مباشرة أرجو أن تكونوا في انتظاري.