دماء الحجاج (15)
كان قد مضى ثمان ساعات تقريا ونحن في ميقات السيل الكبير و بدأ صبر الجميع ينفد وكلما سألنا أبو ترك أو الطبيب المشرف على الرحلة كانت الإجابة نحن في انتظار التصاريح و لمن لا يعلم هناك تصاريح للحج تصدرها الدولة لراغبي الحج حتى تنتظم الأمور ونظرنا لجهلنا الشديد استطاع أبو ترك أن يخدعنا و أدعى أن التصاريح في مكة و أنه في انتظار شخص سوف يحضرها و لكننا مع مرور الوقت شعرنا بالمكيدة الذي دبرها لنا هذا المخادع . أجريت عدة اتصالات مع خالي و كنت أمازحه و سألته عن حكم الضرب بدون سباب للمحرم فضحك و قال لي يجوز إذا أيقن الحج أنه لا أمل له في إتمام حجه .
كان أبو ترك يجلس على قهوة منذ الصباح الباكر و يدخن الشيشة في برود عجيب و لا تعجب للآسف هناك من يدخنون الشيشة في منطقة الميقات و غالبا ما يكونوا من أصحاب الحملات !. ثم جاء الطبيب و أخبرنا أنه يمكننا الآن التحرك لن التصاريح قد وصلت لكن لم تصل سوى تصاريح لحافلة واحدة و نحن أربع حافلات فسوف نقوم بإدخال حافلة و بعد مرورها سوف نرسل التصاريح لحافلة أخرى.
كان هذا بالطبع جزء من برنامج النصب الذي أعده لنا المدعو أبو ترك و للآسف قام الطبيب و هو من الشخصيات المعروفة بالمستشفى بتغطية هذا النصاب و كان طوال الوقت يمدحه ويقول عنه انه شخص طيب و محترم ( لا أعرف كيف يقول عنه هذا و هو يشرب شيشة في الميقات ) لكن هذه ظروف خاصة خارج عن إرادة الجميع . طبعا لم تنجح تلك المحاولات و اتضح أنه لا توجد تصاريح و استغرق الأمر عدد ساعات أخرى و كان الكيل قد فاض بالناس و كادوا يفتكون بأبو ترك و هنا قرر أبو ترك أن يتحرك و يخرج من بروده الشهير و يترك الشيشة التي لم تفارق يده منذ الصبح الباكر فوقف بيننا و ألقى علينا خطبة عصماء كدنا أن نبكي منها - لكننا كنا نعلم انه كذاب أشر فلم نشعر نحوه بأدنى شفقة - و قال أبو ترك أنه تعرض لعملية نصب و أن هناك شخص في مكة أخبره يستطيع أن يساعده على دخول مكة بدون تصاريح طبعا ضحكت و نظرة إليه و أنا أقول لنفسي نصاب تعرض لعملية نصب ! .
المهم في النهاية قال أبو ترك هناك حل أخير و هو الدخول سيرا على الأقدام عبر الجبال و سوف تمر الحافلات خاوية ثم تلتقطنا من موضع معين وافقنا لأننا كنا في مساء اليوم الثامن و الناس قد بلغ بها الجهد مبلغه . لن أطيل أكثر من ذلك المهم بطريقة ملتوية استطعنا أن نصل مكة أخيرا. و أعذرني أيها القارئ الكريم على الألفاظ التي استخدمتها مع هذا المخادع لكنه بالفعل يستحق ما هو أكثر من ذلك و الحمد لله أني لم أكمل رحلة الحج معه فقد أقمت مع احد معارفي و أكملت الحج وحيدا لكني أحببت أن أذكر هذه التفاصيل حتى أنقل للجميع أن أمثال هذا الرجل هم السبب الرئيسي في كثر من الصعوبات التي تواجه الحجاج في الحج أما الدولة السعودية فهي تبذل قصارى جهدها لكن لا يمكن لدولة في العالم أن تسيطر على كل هذه الأعداد الغفيرة و ما مر بي خلال الرحلة جزء بسيط جدا مما حدث لباقي الركاب الذين أكملوا مع هذا الرجل فقد تسبب في سرقة حقائبهم و خدعهم في يوم عرفة و لم يجدوا لهم مكان و المفترض أنه تقوم الحملات بتوفير خيم مجهزة للحجاج في عرفة بل قام و قام بإنزال الرجال في مكان و النساء في مكان آخر و ظل الجميع يبحثون عن بعض طوال اليوم و كاد البعض أن يهلك و بعض الأزواج لم يروا زوجاتهم إلا في نهاية اليوم التالي ! .
أضف لهذا أن هذا النصاب بالاشتراك مع الأربعين حرامي أقصد مع عدد من النصابين قاموا بتأجير أماكن المبيت في منى لعدة حملات فلم يستطيع الناس أن يجدوا مكان للنوم و دارت بين الناس العديد من المعارك بسبب هذا .
لقد لقى في هذا العام 364 شخص حتفهم و كنت أن هناك في تلك اللحظات و السبب الرئيسي في رأي ليس تقصير الدولة كما يدعي البعض و لا التشدد و عدم الأخذ بالرخص بالرمي قبل الزوال فهذا افتراء مع احترامي الشديد لأصحاب هذا الرأي فقد رميت وقت وقوع الحادث بكل سهولة و يسر و هذا قبل بناء الجسر الجديد لكن السبب الرئيسي هم المتاجرون بدماء الحجاج أبو ترك و الأربعين حرامي .